البحث عن الموضوعية في سلطانية الملوخية

في احدى المرات التي كنت أتناول فيها العشاء مع ثلة من الأصدقاء المقربين ، التقطت أطراف حديث يدور على مائدة خلفي ،و حيث أن هناك أحيانا كلمات اذا ما سمتعها تجد نفسك مضطرا لأن تسترق السمع ( ترمي ودن أو تلمع أوكر ) فقررت أن أكمل التلميع ، أطراف الحوار رجلان و امرأتان ، كان ذلك إبان التعديل الوزاري الذي اعتلى بموجبه السيد المهندس الدكتور أحمد نظيف كرسي الوزارة.
مقطع صوتي من الذاكرة:

صوت رجالي: بس تمام و الله انهم جابوا ناس بتفهم أخيرا.
صوتي الداخلي: بتفهم في ايه بالظبط يعني؟
صوت حريمي: صح .. الراجل شكله نضيف و ابن ناس.
صوتي الداخلي: و اسمه نظيف كمان على فكرة.
صوت حريمي 2: و بيعرف يتكلم انجليزي .. بدل فضايح اللي قبله.
صوتي الداخلي: طبعا ما هو متعلم في بلاد بره عند الخواجات.

كان ذلك مقطعا من الحوار الذي دار بين الرباعي الحكيم، و لما وجدت أن الحكمة بدأت (تدلدق) من الحوار و تنساب كالشلال من على المائدة لتجعل الحكمة للركب، قررت ألا أعير الحوار أكثر من ذلك و أن أترك الأوكرة بعد أن لمعتها جيدا، فقد أصابني القرف و الغثيان من هذه الحكمة الرباعية ، أصبح تقييم رئيس الوزراء في مصر يعتمد على انه شكلة نضيف ( و هو نظيف) و انه ابن ناس و يتكلم الانجليزية بطلاقة، الحوار السخيف جعلني أنتبه إلى أن الكثيرين لم تعد لديهم القدرة على الحكم على أي شيء بنظرة موضوعية بغض النظر عن الاعجاب أو الكره الشخصي ، فالرجل لم يقيم بالأداء الحكومي أو بالتاريخ السياسي أو بالمنجزات السابقة ، بل بشكله و لغاته و أصله و فصله ( مع التحفظ الشديد على كلمة ابن ناس المبهمة و الواسعة )، ما أعرفه أن كثيرا من رؤساء وزراء اليابان لا يتكلمون الانجليزية و يطلقون عليهم النكات لهذا السبب ، و لكن الأمر لا يضايق أحدا هناك ، لا يهم شكل الرجل النضيف بقدر ما يهم أداؤه النضيف و المشرف ( زي برسيل) ، لا يهم أن يكون ابن ناس هاي أو ابن ناس غلابة المهم أن يكون هو نفسه انسانا أولا و أخيرا ، الغريب أنه بعد كل هذه الأشهر لم يفعل ابن الناس النضيف اللبلب في الانجليزي شيئا لهذا البلد ، بل نحن في النازل و ربنا يستر علينا.

مشهد آخر من الطرف الآخر ، فلان يريد أن يقدم السيرة الذاتية ( السي في) لوظيفة معينة في شركة معينة ،و لكن أخونا غير مؤهل لهذه الوظيفة من حيث الخبرة أو التعليم و بالتالي اعترض أحدهم على هذا التسرع ، فرد آخر بس هو متدين و يعرف ربنا!! ، و هنا وقفة أخرى ، ما علاقة التدين و معرفة الله بالأداء الوظيفي؟ هل كل متدين يصلح لأن يشغل أي وظيفة و السلام؟ ثم إن التدين من المفترض أن يجعله متقيا لله في لقمة عيشه و لكنه لن يعطيع المؤهلات للحصول على هذه اللقمة فلماذا الخلط؟ و اذا قال أحدهم أو طرح هذه التساؤلات ثارت عليه الدنيا و أتهمه الجميع بأن في ايمانه نقص و أنه ممكن يبقى ملحد لو استمر على نفس طريقة التفكير ، الغريب إن اخواننا الغير منطقيين و الغير موضوعيين لم يقرؤا مثلا أن النبي صلى الله عليه و سلم رفض أن يولي أبا ذر الغفاري الامارة لأنه ضعيف ، أي أنه غير مؤهل لها ، و هو صحابي كبير معروف عنه التدين و الورع ، فما العلاقة اذن؟

لماذا غابت الموضوعية الى هذا الحد المريب؟ فطرف يتمسك بالتدين و يجعله مقياس كل شيء و طرف آخر يجعل حسن المظهر هو مقياس كل شيء، و هناك من اذا أحب أحب حتى الثمالة و اذا كره فأنه يكره حتى النخاع ، و اذا كان الحب أعمى عند البعض فإن الكره أحول عند هؤلاء الناس ، اكتب هذا الكلام لأن شخصا ما علق على موضوع حقوق المرأة و طالب او طالبت بقليل من الموضوعية (بليس شوية موضوعية على حد تعبيره أو تعبيرها) ، فكتبت هذا الموضوع علني أتعلم مما أكتب.

بس هو الموضوع كان موضوعي و لا مش موضوعي؟

Comments

Popular posts from this blog

عن البهائية و البهائيين أكتب

شيفرة دافنشي The Da Vinci Code

The first post.