شيفرة دافنشي The Da Vinci Code

دون الدخول في مقدمات و تقديمات لراوية شيفرة دافنشي أو The Da Vinci Code فإن معظم المتابعين لعالم الورايات و الاصدارات المقرؤة يعلمون كيف تصدرت هذه الرواية قائمة الكتب الأكثر مبيعا في العالم بأسره ، ليس الهدف من هذا المقال هو تحليل الرواية أو التعرض لها بالنقد سواء كان هذا النقد بالايجاب أو بالسلب ، بعدما أصبحت الرواية أحد أكثر الكتب اثارة للجدل خصوصا في أوروبا معقل الكنيسة الرومانية الكاثوليكية و دولة الفاتيكان ، فأن هذا النجاح دفع مؤلف الرواية لانتاجها في فيلم سينمائي يحمل نفس الاسم ، الفيلم عرض في مهرجان كان الحالي و بدأ عرضه بالفعل في أنحاء العالم و كان مقررا له أن يعرض في مصر يوم 17 مايو الحالي و قبل بدأ عرضه في الولايات المتحدة نفسها ، و لكن قررت الشركة صاحبة حق العرض في مصر أنها لن تعرض الفيلم في مصر خوفا من ردود أفعال مسيحيي مصر ، الشركة عقبت أيضا أنه من الصعب جدا تمرير الفيلم من الرقابة المصرية لما يتضمنه الفيلم من طعونات و تشكيكات عميقة في صلب العقيدة المسيحية قد تصل الى حد الازدراء ، عليى أبو شادي قال أن الفيلم لم يعرض عليه أو على الرقابة أصلا و لكنه لا يعتقد انه كان من الممكن أن يسمح له بالعرض، حقيقة لم أكن أتوقع أن يسمح للفيلم بالعرض في مصر و لكنني و بكل صراحة كنت أنتظر أن يحدث لأكتب و أهاجم هذه الازدواجية في المعايير و هذه الانتقائية و التناقضات التي نعاني منها ، ربما يكون موضوع التناقضات أكبر من أن أدلل عليه بموضوع الفيلم لأنني احسب أن موضوع تناقضتنا ليس موضوعا واحدا بل انه قد يكون ملفا كاملا ، و لكن يظهر الأمر في هذه الحادثة واضحا جليا لا لبس فيه و لا مداراة .

منذ سنتين تقريبا أنتج الممثل الأمريكي ميل جيبسون و أخرج فيلم آلام السيد المسيح The Passion of The Christ و أثار الفيلم حينها الكثير من الجدل حول دور اليهود في تعذيب و صلب السيد المسيح عليه السلام – حسب الاعتقاد المسيحي - ، توقعت حينها أن الفيلم لن يعرض كونه يصور شخصية نبي من الأنبياء العظام حيث أنه من أولي العزم من الرسل و الذين لهم مكانة خاصة في العقيدة الاسلامية لأسباب كثيرة يطول شرحها لسنا بصددر التعرض لها ، الأمر الآخر أن الفيلم يعرض وجهة النظر المسيحية في مسألة صلب المسيح و قيامته و عذيبه و هو أمر يختلف معهم المسلمون فيه جملة و تفصيلا ، ناهيك طبعا عن الطبيعية اللاهوتية للسيد المسيح و التي يختلف معها الاعتقاد الاسلامي تماما ، هذان السببان جعلاني في حالة من شبه التأكد من أن الفيلم لن تكون له فرض في مصر ، حقيقة لم يكن لدي اعتراض على عرض الفيلم أو حتى منعه ، بل إنني شاهدت الفيلم بعد لك من باب حب الفضول أو التعرف على طبيعة فكر الآخرين أيا كان موقفي منه ، و لكن يجب هنا الوقوف عند نقطة مهمة و هي أن الفيلم قد يعتبره أو أنهم اعتبروه بالفعل مسيئا للدين الاسلامي و العقيدة الاسلامية ، و في بلد يمثل المسلمون فيه الغالبية فأن هذا يعني الاساءة الى الأغلبية ، صحيح أن الفيلم لم يتعرض للدين الاسلامي من بعيد أو قريب و لكن البعض قال أن هذا له علاقة بالعقيدة الاسلامية حيث انه يطرح وجهة نظر مخالفة تماما هذا غير الاعتراض على فكرة تجسيد شخصيات الأنبياء و التي يبدي مشايخ و علماء و جموع المسلمين الكثير من التحفظ عليها بالتحريم لأي شكل من أشكال التجسيد ، ما حدث بعد ذلك أن الرقابة على المصنفات الفنية في مصر صمحت بعرض الفيلم ، و عرض الفيلم بالفعل في قاعات السينما في مصر و حقق نجاحا ، لم تطرح يومها فكرة الخوف من ردود أفعال المسلمين الذين قد ينتابهم الغضب من رؤية و نظرة الفيلم لموت السيد المسيح و ليس رفعه كما يعتقد المسلمون ، الرقابة أو الشركة المنتجة لم تضع اعتبار أن الفيلم قد يمثل جرحا للشعور العام لدى المسلمين حيث أن الفيلم يطرح وجهة نظر مختلفة ، أقول هذا الكلام بناء على طريقة تفكير الرقابة و ليست تفكيري الشخصي فكما أسلفت لم يكن لي موقف محدد تجاه الفيلم ، و مر الأمر بسلام و لم يحدث أي رد فعل اسلامي تجاه القضية ، بل إنني أذكر ان الشركة التي اشترت حق العرض في فرنسا آنذاك كانت لرجل أعمال مسلم من أصل عربي لأن الشركات خشيت ردود أفعال اليهود الفرنسيين و الذين لهم نفوذ يتعدى عددهم و حجمهم .
و ننطلق سريعا لعام 2006 لنرى موقفا آخر للرقابة المصرية و التي لم تتغير وجوهها أو ادارتها يظهر التناقض الغريب و الغير مبرر ، و هذه المرة خشيت الشركة نفسها من رود أفعال المسيحيين في حال عرض الفيلم خصوصا في الأجواء الطائفية المشحونة في مصر ، و ألمحت الرقابة الى أن الفيلم كانت فرصته ضعيفة ، طيب لماذا امتنعت الشركة ( و أعتقد أنه بايعاز من الرقابة حتى يبدو الأمر و كأنه نوع من الرقابة الذاتية من الشركة نفسها دون تدخل رسمي من الدولة ممثلة في الرقابة ) عن طرح الفيلم للعرض في مصر لهذه الاعتبارات؟
و يجب التلميح الى ان الفيلم (شيفرة دافنشي) يتعارض من العقيدة الاسلامية بشكل أو بآخر اما بتصويره للعلاقة بين السيد المسيح و مريم المجدلية أو في الاعتقاد ان الحل هو العودة الى عبادة الأنثى المقدسة أو كما أن الرواية تعرضت لمسألة حجاب المسلمات و الكبت التي تعاني منه المرأة المسلمة ، و لكن الغريب فعلا أن أسباب المنع كانت الخوف من ردود أفعال مسيحيي مصر و ليس مسلميها أو لنقل الخوف من رودو أفعال الطرفين ، هذا الكلام ليس تحريضيا فقد كنت أنوي أن اشاهد الفيلم و ما زلت أنوي ذلك في حال توفر الفرصة و لكن إما أن تكون هناك حرية فعلية أو أن يكون هناك قواعد و قوانين تطبق على الجميع ، لكن أن نعيش هذه الحالة من الازدواجية في التعامل مع كثير من القضايا و الأحداث و هذه احداها فهذه واحدة من المآسي التي نعيشها بكل أسف.

Comments

Anonymous said…
Ya Basha 10/10..

Popular posts from this blog

عن البهائية و البهائيين أكتب

The first post.