المؤامرة في أبشع صورها

بداية لست من أنصار التفسير التآمري للأحداث التي تدور حولي ، و مهما بدا لي التفسير التآمري مغريا في أحيان كثيرة فإنني أحاول قدر الامكان أن أتحاشاه و أن أبحث لنفسي عن تفسير رزين و معقول يرضي عقلي لما يحدث ، و لكنني يجب أن أعترف أن تحدث بعض الأمور و تستجد بعض المتغيرات سواء في مصر أو خارجها تجعلني أقف مكتوف الأيدي أمام التفسير التآمري ، و ربما لن يكون التفسير التآمري ناجحا في تفسير أحداث كتلك التي تجري في فلسطين هذه الأيام ، فما إن تولت حركة حماس زمام السلطة في الأراضي المحتلة عن طريق صناديق اقتراع محترمة (ليست كالتي في بلدنا الحبيب ) ، حتى انكشفت الكثير من الوجوه التي طالما اختفت حول أقنعة كثيرة كالسلام و النبذ الحروب و التنمية و الديموقراطية ، فابتداء من أمريكا التي لم تعجبها نتائج التجربة الديموقراطية الراقية التي جرت في الأراضي المحتلة و هي المبشرة بالديموقراطية في أنحاء المعمورة ، مرورا ببعض دول الاتحاد الأوروبي التي تتحفظ و تحاول أن لا تبتعد عن المسار الأمريكي و أن لا تغضب الأصدقاء في تل ابيب و نهاية بالدول العربية التي لم تحرك ساكنا و أوقفت بنوكها التحويلات المالية للسلطة الفلسطينية، بل إنه للأسف كانت أكثر الأسهم التي وجهت لحماس ايلاما موجهة من الأردن ، البلد الذي يفترض به أنه شقيق ، البلد الذي يمثل الفلسطينيون نصف سكانه ، البلد الذي خرج من وسط العاصفة ليقول أن حماس متورطة في عمليات ارهابية و تهريب سلاح الى الأراضي الأردنية ، أي عقل قد يصدق هذه الخرافات ؟ كيف تخرج تمثيلية من البلد الشقيق بهذه السخافة و بهذه الحماقة ؟ كيف يمكن لشخص عاقل أن يصدق ان حماس تضحي بكل رصيدها الشعبي و النضالي من أجل اغتيال مسؤولين اردنيين ؟ هل تقدم حماس على هذه الخطوة بعد أن وصلت للسلطة و هي تعرف أن المتربصين بها أضعاف من يمتنون لها التوفيق ؟؟ ليس غريبا أن يكتب الأستاذ فهمي هويدي مقالا يتهكم فيه من انحدار مستوى التلفيق في عالمنا العربي !
بالطبع ليست الأردن (مع تاريخ الأسرة الهاشمية الطويل في الخيانة) وحدها هي من توجه الأسهم ، فللأسف فقد خيبت حركة فتح الآمال عندما أرادت أن تنشيء ما يمكن أن يسمى حكومة تظل تصبح هي الواجهة لفلسطين في أنحاء العالم ، ضغوط قد لا تتحملها الجبال ، مؤامرات من الاخوة قبل الأعداء تجعل الانسان يبكي كمدا على الحال التي وصلنا لها ، ربما احساس فتح بأنها قد فتحت ذراعيها لاسرائيل و قبلت بأقل القليل جعلها في موقف ضعف في الشاعر الفلسطيني الذي لم يرى الا الفساد من جانب سلطة فتح ، ربما تريد أن تثبت أن الطعام لا يأتي الا بالهوان أو بالتنازلات ، ربما أيضا تريد أن تقول كما اعترفنا نحن (فتح أو منظمة التحرير عموما ) باسرائيل فإن حماس ستعترف و مفيش حد أحسن من حد !!
قد يكون لي تحفظات على أسلوب حماس في ادارة المعركة مع اسرائيل ، و قد أختلف معها في بعض المواقف ، و قد أختلف مع الايديولوجية التي تتبناها حماس ، و لكن ليس لأنني أختلف معها فهذا يجعلني أسعى الى التشهير أو الشماتة أو تصيد الأخطاء كما يفعل بعض الكتاب أصحاب الهوى الأمريكي الذين يعتقدون أنه الوقت الأمثل لتصفية الحسابات التي غالبا ما قد تكون شخصية و غير موضوعية ، ترى هل لأن حماس هي حركة اسلامية فإن البعض لا يريد لتجربتها أن ترى نور النجاح ؟ ترى لو كانت حماس حركة ليبرالية أو يسارية فهل كانت المواقف حولها ستختلف ؟ هل الديموقراطية لدى بعض المثقفين و المتنورين لها عدة أوجه؟
لعلي لم أرى و لن ارى في حياتي مؤامرة بهذا الشكل من الوضاعة ، و لعل الموت يكون أهون من خيانة الاخوة و الأصدقاء
.

Comments

Popular posts from this blog

عن البهائية و البهائيين أكتب

شيفرة دافنشي The Da Vinci Code

The first post.