عن البهائية و البهائيين أكتب



أصبح الحديث عن البهائية و البهائيين هو قضية الساعة في مصر بل و ربما المنطقة العربية بأسرها ، و هنا أكتب رأيي الشخصي في هذه المسألة ، و هو رأي قد يختلف معه الكثيرون و قد يتفق معه قلة ، و لكن لكل من سيقرأ هذا الكلام أتمنى أن تكون القراءة موضوعية و بعيدة عن التحيز المسبق .

بعدما ظهر البهائيون في عدة برامج حوارية في الآونة الأخيرة لم يعد بامكاننا أن نتجاهل وجودهم أو ندعي أنه لا وجود للبهائية في مصر و أن اقرب بهائي لنا يوجد في اسرائيل و غيرها من عمليات التعتيم الاعلامي الذي برع فيه اعلامنا المصري القدير ، فقد أصبح وجود البهائيين أمرا واقعا بين أيدينا ينبغي التعامل معه بصورة أو بأخرى ، و بطبيعة الحال ليس الخلاف حول أنهم موجودون أم أنهم مجرد شائعات و لكن كيفية التعامل معهم تبقى هي محور الخلاف الدائر في مصر ، لست في موضع سرد الأحداث و ترتيبها و لكن باختصار شديد فإن أحد المحاكم قد حكمت لأحد البهائيين بأحقيته في أن يكتب أو يسجل في خانة الديانة في بطاقته الشخصية انه بهائي ، الحكم لم يتم العمل به على أساس أنه توجد فتوى قديمة من الأزهر لا تعترف بالديانة البهائية و تعتبر معتنقيها حفنة من المرتدين المارقين من الدين ، بغض النظر تماما عن تضارب القرارات و الأحكام و الفتاوى و بغض النظر أيضا عن الالتباس الحاصل في أولوية الفتوى على الحكم القضائي أو العكس ، فإن الغريب فعلا أنه ليس من حق البهائي أن يكتب ديانته في خانة الديانة كما يريد! و لا أفهم لماذا يعترض الأزهر أو يعترض البعض على أحقية أن يظهر البهائي دينه و أن يسجله في بطاقته الشخصية؟ أفايجبر الأزهر الناس على أن يكونوا مسلمين؟ ثم كيف يريد البعض من البهائيين ان يقولوا أنهم مسلمين مثلا و هم يؤكدون على أنهم غير مسلمين؟ ثم لنفرض أن البهائي كتب انه مسلم أو مسيحي أو حتى يهودي في خانة الديانة هل سيغير هذا من الأمر شيئا؟ ثم اذا ما مات هذا الرجل فأي أحكام ستسري عليه في الدفن على سبيل المثال .. و كيف ستيم تقسيم ما ترك من أموال و غيرها بين ورثته او طبقا لأي شريعة؟ و في أمور الزواج و غيرها كيف سيتم التعامل معه؟ هل اذا قلنا أنه على البهائي أن يختار اما ان كون مسلما أو مسيحيا أو يهوديا فأنه هذه دعوة الى تشكيل فرق من المنافقين يبطنون غير ما يظهرون داخل كل ديانة من الديانات الثلاث ؟ هل سنكون سعداء عندما نقابل من يحمل اسما مسلما و بطاقة تثبت اسلامه و لكنه في حقيقة الأمر بهائي لا يمت للاسلام بصلة.

الغريب أن البعض لا يستطيع التمييز بين أحقية ان يكتب البهائي ديانته في بطاقته الشخصية و أن يكون له أماكن للتعبد و أن يكون هذا الدين موضع اعتراف بانه دين سليم شرعا ، و هنا نقطة هامة جدا يجب التوقف عندها ، لأنني لا أعترض أبدا على أن يكون للبهائي حق اظهار دينه بشكل واضح سواء في بطاقته أو في أن يكون له أماكن للتعبد و في نفس الوقت لا أعتبر أو أعتقد أن أتباع البهائية على صواب أو حتى مجرد شبهة صواب ، بل ان هناك الكثير من الغموض الذي يشوب الديانة البهائية حول كتبها المقدسة و أحاكمها و علاقتها باسرائيل ، و لكن الفكرة أن البهائية أصبحت دينا و ليست مجرد فرقة من فرق الاسلام كما كان يفهم البعض ، و البعض أيضا بحكم الجهل اعتقدوا أن كلمة دين تسري فقط على الأديان الثلاثة السماوية ، طيب و ما حال البوذيين أو الهندوس او السيخ ؟ أليست هذه أديان هي الأخرى؟ ان الله قد قال في كتابه الكريم ( و من يبتغي غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) و دينا هنا أتت نكرة غير معرفة لأن عدد الأديان كثير و لا يحصى و لا يعلمه الا الله.
و لو نظرنا سريعا الى التاريخ الاسلامي فاننا سنرى أن المسلمين قد فتحوا بلادا كثيرة و وجدوا بها العديد من الأديان كتلك التي ذكرتها من قبل ، فما كان من المسلمين إلا أن حفظوا للآخرين حقوقهم في التعبد و في أن يظهروا دينهم بغير خوف و هذا لم يكن فقط مع أهل الكتاب بل كان مع كل الديانات الأخرى ، حتى المجوس و الذين يقدسون النار تم التعامل معهم على هذا الأساس و لا تزال معابدهم موجودة في ايران حتى يومنا هذا! و قد يقول قائل أن تلك الأديان كانت موجودة بالفعل و لم تستحدث بعد الاسلام ، و هنا يجب الاشارة الى أن هناك أكثر من دين ظهر بعد الاسلام و في عصور الخلافة الاسلامية و أظهر أصحابها دياناتهم في وقتها و حيث انه لم تكن هناك بطاقات شخصية فأن مجرد اظهار الدين و وجود أماكن عبادة لدين معين في تلك الأوقات كان يعني الاعتراف بوجودها ، و اليزيدية و ليست الزيدية هي أحد تلك الأديان ذات الاصول الاسلامية حيث أنها بدأت كفرقة باطنية و بدأ الانحراف يأخذها بعيدا عن الاسلام و أصبحت دينا يعبد معتنقوه الشيطان و هي ديانة موجودة حتى يومنا هذا في العراق و في سوريا ، يسري هذا الكلام أيضا على الديانة الدرزية , و هذه الديانات لم تظهر منذ قرنين أو ثلاثة ، بل ان هناك من قال أن اليزيدية ترجع بداياتها الى العام 132 هجري أي في أيام الخلافة و في وقت ازدهارها ( راجع الفرق و الجماعات الدينية في الوطن العربي قديما و حديثا للدكتور سعيد مراد) ، ليس الغرض من هذا الكلام هو العرض التاريخي بقدر ما هو للتدليل على أحقية أهل الديانات الأخرى في اظهار دينهم .

الأزهر قال أن هذه فرقة مرتدة و مارقة عن الاسلام و لا يمكن الاعتراف بها أو بوجودها ، هذا الكلام قد يسري على المسلمين الذين تحولوا الى البهائية ، فما الحكم في المسيحيين أو اليهود الذين تحولوا الى البهائية؟ بل ان هناك اشكالية اخرى في هذه المسألة حيث أن الكثيرين يعتبرون ان حكم المرتد هو القتل ( و هو قول فيه خلاف كبير على عكس الشائع) فاذا فرضنا ان الأزهر كانت لديه السلطة لكي يقتل هؤلاء المرتدين ، فاذا قتل الأزهر البهائيين الذين خرجوا من الاسلام الى البهائية فما حال أبنائهم أو بهائيي الجيل الثاني الذين ولدوا على البهائية و لم يكونوا مسلمين من الأصل ليرتدوا ، هل سيقتلون هم الآخرين؟ و لو فرضنا أن الأزهر لديه الحق و أنه على صواب تام في فتواه فإن هناك قواعد فقهية أخرى تقول أن درء المفسدة أولى من جلب المصلحة ، فالمفسدة هنا يا مشايخ الأزهر قد تتمثل في أي تضييق على المسلمين في أي مكان في العالم بحجة أن المسلمين أنفسهم هم أفضل من يضيق على أهل الديانات الأخرى و انهم لا يعترفون بحرية الاعتقاد ، و لماذا نتضايق أيضا من بعض البلدان التي لا تمنح المسلمين حق اقامة مساجد يتعبدون فيها؟ دولة مثل اليونان حيث توجد سلطة قوية للكنيسة الارثوذكسية لا تسمح للمسلمين بأن يكون لهم مسجد يمارسون فيه شعائرهم أولا يضايقنا هذا كمسلمين؟ أولا نشجب و نستنكر و ندين و يسعى مسلموا اليونان من أجل أي يحصلوا على تصريح باقامة مسجد ، هل اذا أقيم مسجد في اليونان فهذا يعني اعتراف الكنيسة هناك بأن الدين الاسلامي هو دين صواب و حق؟ أم أنه اعتراف بأحقية التواجد و حرية الاعتقاد لا أكثر و لا أقل من باب حقوق و حريات الانسان!!

السخيف في الأمر أن يدعوا البعض هؤلاء البهائيين الى تقبل الأمر كما هو أو الرحيل عن مصر ، و أعتقد أن أصحاب هذا الرأي يعانون للأسف من ضيق أفق شديد ، فقد تعلمت من السنين القلائل التي عشتها في هذه الدنيا أنني لن أعطي الفرصة لشخص أعلم أنه على باطل لكي يصبح شهيدا على حسابي ، فلو حدث ما قاله البعض فان قضية البهائيين في مصر و الذين لا يتجاوزون عدة آلاف على أقصى تقدير ستصبح مأساة عالمية يتباكى عليها العالم ، فستكون كالهولوكوست عند اليهود ، و نظهر نحن و كأننا الوحوش قساة القلوب عديمي الشفقة و الانسانية ، أوليس من الأولى معالجة الأمور في وقتها بدلا من أن تظل تتضخم و تصبح جبلا من الجليد بعد أن كانت مجرد كرة ثلجية صغيرة تدحرجت و لو يوقفها أحد؟ يخطيء البعض حينما يعتقد أنه باضطهاد أو بالتضييق على البهائيين فإنه بذلك سينهي وجودهم أو أنه يقتلع الورم من جذوره ، فكل فكرة مهما كانت صحتها أو خطأها فإن العمل على كبتها و التضييق بكل السبل عليها ليس دائما هو الحل ، بل أنه في كثير من الأحيان يؤدي الى نتائج عكسية تماما و الأمثلة على ذلك لا حصر لها و لا عدد.

ما دفعني في باديء الأمر للحديث في المسألة البهائية هو أني و بعد أن كنت مارا في أحد الطرقات في الشركة التي أعمل بها وجدت ورقة منشورة في لوحة الاعلانات تدعو الناس الى التنبه من الخطر البهائي القادم حيث أنه يزحفون و يتكاثرون كما يتكاثر النمل و و الخ ، و الحقيقة أن كثيرا من الناس يكونون بعيدين كل البعد عن أخبار أو حقائق كهذه و لكن هذه المنشورات تزيد الطين بلة بل و تؤدي أحيانا الى نتائج هي عكس ما أراد ناشروها ، المثير للسخرية أيضا أن كاتب هذا المنشور قد كتب فيه قائلا أن الرئيس جمال عبد الناصر قد قام بمنع هذه الديانة في مصر و بغلق مقارها و التضييق على معتنقيها و كأن عبد الناصر هو حامي حمى الاسلام و المدافع عن عقيدة التوحيد!! بل إن القضية البهائية تظهر في كثير من جوانبها عمق التناقضات التي يعاني منها هذا المجتمع ، فالأزهر يزأر الآن في هذه القضية ليزايد و ليوهم البعض بأنه ما زال قلعة الاسلام ، و الحكومة تعرف أنه لا يوجد في القانون أو الدستور ما يمنع اظهار الديانة البهائية ، و الأزهر و كثير من رجاله ما هم الا وجه من أوجه الحكومة أو النظام ، يأتمرون بأمره و ليس لهم ان يحيدوا عن مدارهم المحدد مسبقا ، فلماذا هذه التمثيليات و هذه المزايدات؟

Comments

Anonymous said…
first i'd like to tell u thats a really good point f view, um glad that ther's someone finally talking reasonably.
The thing is that we "muslims" are pretty bad salesmen for the BEST item. And when we feel there's new competition in the market we tend to attack it, instead of trying to improve our way of advertising to our great commodity. And the problem here is that the more trivial the competition is ... we tend to create a bigger fuss over it! in other words ... we are doing them their publicity stunts.

i guess we as a muslims are not prepared for freedom at all, we want people to respect us while we respect none. we cant accept ideas that differ with us.
Anonymous said…
عندك حق .. .. فحتى لو كان البهائيون كافرين .. فكمواطنين هم يستحقون ان تكون لديهم بطاقات تعريف وهوية مثل غيرهم
وحسب الأية الكريمة في خطاب الكافرين يقول : "لكم دينكم ولي دين" وسمى ما يؤمنون به دينا .. واستعمال كلمة "دين" لا يدل على الأعتراف بأحقية عقيدة الكفر هنا .. فلماذا يوجد حقل دين في الاوراق الشخصية دون ان يحق للناس كتابة اسم الشئ الذي يؤمنون به سواء اعترف به فقهاء هذا الزمن أم لا ؟
أما مايقوله الأزهر في حقهم وخاصة في فتوى 1987 فكانوا قد عقبو عليه آنها كما نرى في احدى ابواب هذا الموقع :
http://www.freewebs.com/bfacts/bfacts_ar.htm

حسام
Anonymous said…
اكثر هذه المعلومات مقتبسة من مصادر معادية للبهائية وبعيدة عن الحياد وكما كان القساوسة والمبشرين وعلماء اليهود يؤلفون حكايات عن الإسلام والرسول (ص) ليس لها صحة , يقوم فقهاء المسلمين بعمل الشئ نفسه مع البهائيين. وللإطلاع على تعقيب البهائيين على فتوى الأزهر في 1986 يمكن زيارة هذا الموقع

http://www.freewebs.com/bfacts/tAzhar.htm


بالمناسبة .. حتى لو كان البهائيون كافرين .. فكمواطنين هم يستحقون ان تكون لديهم بطاقات تعريف وهوية وحسب الأية الكريمة في خطاب الكافرين يقول : "لكم دينكم ولي دين" وسمى ما كانوا يؤمنون به "دينا" .. فلماذا يوجد حقل دين في الاوراق الشخصية دون ان يحق للناس كتابة اسم الشئ الذي يؤمنون به سواء اعترف به فقهاء هذا الزمن أم لا ؟

وللمزيد من المعلومات عن الدين البهائي يمكن قراءة مقالة الوكبيديا

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D9%87%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A9

ومن ثم زيارة المواقع المذكورة في اسفل الصفحة ومنها موقع الإسلام والدين البهائي

http://bci.org/islam-bahai/arabic/

و موقع حقائق عن الدين البهائي
http://www.freewebs.com/bfacts/bfacts_ar.htm

حسام
Ahmed Fathy said…
Dear baradex,

Many thanks for your comment. As u said we are bad salemen for the best commodity. One of our major problems is that we have so many contradictions concerning others rights. We are asking the whole world to understand islam, respect it & giving the muslim minorities their full rights while we don't respect others or even giving them the least they are asking for. But as i stated in the article it's all political and it has nothing to do with Islam. The problem of this case is that it's not the right time to struggle for non-mulims rights as the majority of the Egyptians ( muslims and non-muslims) cant get any , it's a matter of priorities i guess.

Thanks for passing.
Ahmed Fathy said…
العزيز حسام

بداية شكرا لتعليقك و لمشاركتك ، أنت اثرت نقطة مهمة و هي مسألة المصادر التي نستند اليها ، الكثير من المسلمين سيتندون الى مصادرهم الخاصة في التعرف على أي مذهب آخر ، السنة يتعرفون على الشيعة من خلال كتب السنة و العكس ، نفس الكلام ينطبق على الديانات الأخرى ، و فيما يتعلق بالديانات التي ظهرت بعد الاسلام فان هناك اعتقادا راسخا لدى الغالبية من المسلمين سواء العلماء منهم أو العوام بأن تلك الديانات ( يزيدية ، درزية أو بهائية ) قد خرجت من رحم حركات أو مذاهب باطنية ، و عادة ما تكون المذاهب الباطنية غامضة و تتيح لأصحابها أن يبطنوا غير ما يظهروا مما يزيد الأمر تعقيدا ، فاذا دخل مسلم سني الى مواقع الشيعة الرسمية و قرأ كثيرا من النفي عن ما يشاع عن الشيعة فانه لن يصدق لكونه يعتبر أن مبدأ التقية لدى الشيعة يتيح لهم الكذب حتى في مصادرهم الرسمية ، نفس المبدأ يطبق على غير المسلمين ، حقيقة كلامي ليس الهدف منه التعريف أو الدعوة للتعرف على الديانة البهائية ، فأنا و إن كنت أنادي باعطائهم حقوقهم فأنا على يقين تام – و مع احترامي للبهائيين - أن الديانة البهائية هي ديانة أرضية تماما لا علاقة لها بالسماء . شكرا لتعليقك و لاضافتك.
Nile Alligator said…
Dear Fathy;
I'm not sayin that cause you are one of my best friends,but your blog is very good and you are a great thinker,and i really think you must do that in a professional
way,dude you really inspire me in so many things in my life
take care buddy
Alaa Adel

Popular posts from this blog

شيفرة دافنشي The Da Vinci Code

The first post.