البيضة و الفرخة
الدافع وراء تعليقي على هذا الخبر ليس الرد أو التفلسلف في مسألة البيضة و الفرخة ، و لكن هو التعجب من تدخل علماء للدين في أمر علمي بحت ليس له أي أبعاد دينية أو أخلاقية كالاستنساخ مثلا ، فلماذا يقحم بعض المشايخ أنفسهم فيما لا يفقهون و فيما لا يعلمون ؟؟ لا يفترض بعالم الدين أو بشيخ المسجد ان يكون عالما بأمور الدين و الدنيا كلها ، و ليس مطلوبا منه الافتاء في أمور هو يجهلها فيضعف من موقفه و قد يجعل من نفسه عرضة للسخرية ، قد يتساءل البعض هذا الكلام في السعودية فلماذا تطرح القضية للنقاش ، و أقول أنه يوجد الكثيرون في مصر يعتبرون أن علماء الدين السعوديين هم الأعلم و الأتقى و الأصح و هذا لأسباب كثيرة ، هذه الفئة ترى أنه لو خرج علماء السعودية برأي كهذا فهذا يعني أنه الصواب خصوصا أن الأمر له جانب اعتقادي ، لم يمض يومان حتى قرأت خبرا آخر يخص علماء الدين السعوديين أيضا ، الخبر ينقل فتوى لعالم دين سعودي تقول أنه لا تعارض بين جعل يوم السب عطلة بدلا من يوم الخميس مع النصوص الشرعية ، و أتعجب مرة أخرى من هذا الشخص الذي طلب هذه الفتوى من الأساس ، ما هذه العقلية الغريبة التي تريد ان تقحم رجل الدين في كل صغيرة و كبيرة و في أمور تقع شرعا في المباح أو المسكوت عنه ؟؟ لماذا يحاول البعض أن يعارض الآية الكريمة ( يأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) ، هل يعتقد البعض أن هذا الاقحام في صالح الدين أو حتى في صالح رجاله ؟ حقيقة إن ما يحدث في هذا الشأن قد يكون شبيها بما حدث في أوروبا في مرحلة ما قبل عصر النهضة من تدخل رجال الكنيسة آنذاك في كل صغيرة و كبيرة و الحجر على الحرية العلمية و احراق الكتب و اتهام علماء مثل كوبرنيكوس و جاليليو بالهرطقة بسبب اكتشافاتهم التي عارضت رؤية الكنيسة لأمور مثل دوران الشمس حول الأرض و غيرها ، الغريب أن موقف الأرض و الشمس قد تكرر هو الآخر و في السعوية تحديدا حيث انه منذ عدة سنوات أنكر أحد العلماء السعوديين دوران الأرض حول الشمس و كان موقفا آثر الكثير من الجدل آنذاك ما بين (مؤيد ) و معارض ،و ما أخشاه أن يحدث انقلاب في طبيعة علاقة الناس بالدين أو برجاله كما حدث في اوروبا ، فبعد أن كان رجل الكنيسة يتخل في كل صغيرة و كبيرة في عصور ما قبل النهضة ، أصبح بعد ذلك مهمشا لا أهمية له لا يستطيع أن يبدي رأيه في كثير من الأمور التي تعارض الدين المسيحي بحكم العلمانية الصارمة التي فرضت من الشعوب و العلماء قبل أن تفرض من الحكومات نفسها، و إن كانت الكنيسة في عصور ما قبل النهضة تستند الى تفاسير و الى رؤى معينة للانجيل تتعارض مع الاكتشافات العلمية التي أتت لاحقا ، فإن الوضع لدينا نحن المسلمين يختلف تماما ، فليس هناك نصوص دينية تمنع البشر من البحث العلمي و التأمل في خلق الله أو تفرض رؤية معينة لأمور الكون بل على العكس تماما فإن القرآن يزخر بآيات لا حصر لها تدعو الى هذا التأمل و التفكر .
البعض يعتقد أن كثيرا من علماء أوروبا و أمريكا يريدون أن يثبتوا بهذه الاكتشافات أنه لا وجود للخالق ، و أن بعضهم يجري الاختبارات و الأبحاث من أجل هذا الغرض تحديدا، و أن أختلف مع هذه الفكرة أو هذا الطرح ، حيث أن ما أراه يقول بأن العلماء في الغرب يعملون في جامعات و مؤسسات و مراكز بحثية تقف موقفا حياديا تماما من مسألة الدين ، فهي لن تنفق أموالها من أجل اثبات نظرية دينية و لن تنفقها كذلك من أجل نفيها ، فهي تعمل و تبحث و تجرب بدون نوايا سابقة و بدون انتظار نتائج معينة من هذه الأبحاث ، فهذا هو المنهج العلمي الحديث في البحث ، و ربما كان لالحاد بعض العلماء في الغرب دور في عدم تحفظهم على أية نتائج أو نظريات توصلوا اليها أو ربما كان ذلك سببا في اغفال الجانب الأخلاقي في البحث العلمي ، و كثير من النظريات التي عارضت الرؤية الدينية ما تزال مجرد نظريات لم تصبح حتى الآن حقيقة علمية مؤكدة.
Comments